الدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال حقاً وصدقًا لا شك ولا جدال في ذلك، والإ كيف نفسر قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ سورة فصلت آية «33» ، فهذه الآية تبين عن يقين أن من دَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَيْهِ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ « أَيْ : وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ بِمَا يَقُولُهُ، فَنَفْعُهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لَازِمٌ ومُتَعَدٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَأْتُونَهُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْتُونَهُ، بَلْ يَأْتَمِرُ بِالْخَيْرِ وَيَتْرُكُ الشَّرَّ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهَذِهِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ» « تفسير القرآن العظيم – لابن كثير 4 / 179 »
وهذه الآية تشرح لنا أنه «لا أحد أحسن قولا، وأعظم منزلة، ممن دعا غيره إلى طاعة الله تعالى وإلى المحافظة على أداء ما كلفه به. ولم يكتف بهذه الدعوة لغيره، بل أتبع ذلك بالعمل الصالح الذي يجعل المدعوين يزدادون استجابة له. وَقالَ: بعد كل ذلك على سبيل السرور والابتهاج والتحدث بنعمة الله إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. أي: من الذين أسلموا وجوههم لله تعالى وأخلصوا له القول والعمل» – « التفسير الوسيط – أ.د: محمد سيد طنطاوي 12 / 351 » .
والدعوة اسم عام يشمل الوعظ والخطابة، والدرس، والمحاضرة والمناظرة، وغير ذلك من وسائل وأساليب، ولما كان الوعظ رافداً مهماً من روافد الدعوة إلى الله تعالى، ولها أهمية عظيمة في استمالة القلوب وفي الوقت الحاضر نحتاج فيه إلى وعظ هادف، وموعظة بليغة تأخذ بالقلوب لمحبة الله تعالى، ورضاه، وللعودة إلى كتاب ربنا، وسنة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذلك بواعظ مؤثر تصل موعظته إلى شغاف القلوب، وإلى مشاعر الوجدان، وإلى الأفئدة الحنونة التي تحن عند الموعظة البليغة… فإننا في زمن تسارعت فيه الأحداث، وتمسكت القلوب فيه بزينة الحياة الدنيا، ومالت عن حب ربها ودينها و نبيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنته الشريفة، فالكثير مشغول بماديات الحياة الطاحنة، والأعمال المرهقة للعقل، والبدن من أجل لقمة العيش، أو العيش من أجل اللقمة، فهؤلاء في الحقيقة مرضى يحتاجون، وبسرعة إلى طبيب ماهر يشخص الداء الذي أصابهم، ويصف الدواء الناجع لشفاء عللهم، ولعل من أخطر العلل في الوقت الراهن، وفي الواقع المعاصر ما يصيب القلب من علل وأمراض تفسد حركته في معاملته لربه تعالى فعلل القلوب خطيرة، فالقلوب هي المحرك الإيماني للعبد، وهي بيوت الإيمان فإذا أُصلحت هذه البيوت، وعمرت بحب خالقها تعالى وحب دينها ونبيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأُرشدت إلى طريق الله المستقيم أضاء الإيمان في جنباتها وأشرقت شمس الهداية في سمائها…
بالفعل نحتاج إلى واعـظ يعـظ هذه القلوب التي تحجرت فعميت عن طريق ربها وضلت عن سنة نبيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحبت المال، والنفس، والولد، وانكبت تلهس وراء الشهوات، والملذات الفانية، وانخدعت بالشبهات العارية، وأحبت المتاع الزائل، وركنت إلى الظل المائل، آثرت الدنيا وهي فانية، ونسيت الآخرة، وهي الباقية…
لذلك كان علاج هذه القلوب مهمة صعبة وحمل ثقيل … على الداعية أن يقوم بتلك المهمة على أكمل وجه، وذلك برعاية القلوب، وبوعظها، وتذكيرها وتخويفها، ونصحها وإرشادها إلى طريق ربها بالعلم النافع والعمل الصالح، وآيات القرآن الحكيم وسنة الهادي المصطفى-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأسلوب يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة ومراعاة أحوال الناس.