كنت قد وعدتك أننى لن أكتب لك ثانية..لكن عليك أن تسامحنى وأن تتحمل كلماتي ..
سامحنى لأنني لم أستطع الوفاء بوعدي …أمسكت بالقلم لأسطر روحي أمامك ثانية ..هل تعلم لماذا ؟
لأنني لم أجد من يسمعني..المؤلم أننى محاطة بالكثير لكنهم لا يسمعون أو قل لا يهتمون ..يدورون فى حلقات متتالية من الأحلام التى لا تنتهى ..تشدهم تلك الأحلام بقوة لدرجة أنهم بالكاد يلتفتون لمن حولهم ..
مكبلون بالحاجات التى تمنعهم عن سماعنا ،للأسف أغلب من حولنا يريد التكلم فقط ..ينتظر أن ننهى جملتنا حتى يبدأ في سرد جانبه من القصة.. الغريب أن جلهم يعتقدون أنهم على صواب وأنهم ضحايا مغلوبون على أمرهم…
هل تعلم سيدى،أننى ألتمس لهم العذر ،فنحن جميعاً ضحايا دون أن ندرى..ندور كلنا في إفعوانية عملاقة تسير بنا حتى أننا بالكاد من سرعتها نتعرف حتى على ملامحنا، ندور معها في تدافع وكل واحد منا يتخيل أن الكون يتوقف عنده وأننا مركز العالم..لكن فى لحظة ما تتوقف الأفعوانية فجأة لينزل منها من جاء دوره لكنه توقف مؤقت ، سرعان ما تبدأ دورتها الجديدة بنفس القوة والحماسة .. تنتظر لحظة توقفها الجديدة ،
الغريب أن الحياة تستمر رغم من نزلوا ..تستمر دون أن يفتقدهم أحد أو يفتقدونهم بعض الأوقات لكن سرعان ما تجذبهم الأفعوانية فى دورتها ثانية فتتلاشى حاجتهم لمن رحلوا،فى حين يجد من نزلوا أنهم فى عالم آخر …وحدهم ..بلا معين ..وحدهم فى عالم لا يهتم بما نهتم به…هناك يدركوا أن الكون لم يتوقف دونهم ..لم يمت أحد خلفهم..ثم جيل واحد يمر ولا يبقى من يعرفهم .. لا يبقى منهم سوى أسماء معلقة بأسماء أبناء وأحفاد نادراً ما يفكرون فيهم ..يمرون من طرقات لا نعبأ بمن مر بها ..بمن سبقونا ولو كان بالأمس…
هل تعلم سيدى أننا نحمل شريطاً من الأسماء التى نعتقد أنها تخصنا وحدنا وأن أجدادنا قد تنازلوا عن ملكيتها لنا.. وأنهم فقدوا حتى حقهم فى نطقها فقد نسيناهم كما نسيتهم الأفعوانية الغريبة …
نحرص على أن نلقبهم بكلمة المرحوم تسبق أسماءهم وكأنها قد صارت مفتاحاً يسقط عنهم الألقاب والأسماء والإرادة..
سيدى،مهما كبرنا نشعر أننا مازلنا صغاراً وأن من يرحلون هم بعيداً عنا ..فنحن مازلنا هنا..لأننا تستحق البقاء لكن الأفعوانية بها مقاعد محجوزة ولابد أن ينزل قوم ليحل آخرون…لا تبقى المقاعد حجراً على أحد..تسقط كل يوم الأسماء والألقاب وحتى الأملاك…وتبقى الأفعوانية تدور ثم تقف فجأة كالعادة لكننا نبقى ننظر حولنا لنرى من سينزل ! لأنه بالتأكيد ليس دورنا!’
من روايتى”سارة”
هيام على بيومي